بسم الله الرحمن الرحيم
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) [فاطر]
تحدث القرآن الكريم في العديد من آياته عن أهل البيت (عليهم السلام) وهذه أحداها, إذ تشير هذه الآية المباركة الى أن (الميراث الالهي) أو (تراث النبوة) وهو علوم الكتاب وتفسير القرآن وتفاصيل الشريعة يتداوله الذين اصطفاهم الله تعالى من عباده, نظير الميراث الالهي لآل هارون الذي ورثوه من موسى وهارون وقد أصبح علامة مميزة للأئمة من آل هارون من بعد موسى (عليه السلام), والذي يشير اليه قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) [البقرة].
- (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ) لا يراد من الكتاب في الآية النص القرآني فحسب, وإنما يراد به البيان الالهي لآيات الكتاب الذي أنزل كما أنزل القرآن على رسول الله (ص) كما أشير اليه في قوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) [القيامة].
وكما دوّن القرآن الكريم من قبل الامة وصار بعضها رقيباً على بعض من أجل ضبط النص القرآني, فقد تمّ تدوين هذا البيان الالهي ولكن ليس بنفس السعة والشمول في الامة, رغم أنّ المجال كان مفسوحاً لها لتدون حسب فهمها وحسب رغبتها, وقد حثّ النبي (ص) على ذلك, ولكن لوجود حزب في الامة في زمن النبي (ص) كان يجد في هذا التراث النبوي التفصيلي خطراً عليه فكان يعارض من يدوّن)[1](, لذا أقتصر النبي (ص) بالتوجيه العام للامة في هذا الشأن وأهتمّ بتدوين سنته في لقاءات خاصة مع علي (عليه السلام) على مدى ثلاث وعشرين سنة)[2](, بعدد من الساعات لا يقلّ عن عشرة الاف ساعة (16560 ساعة), وقام علي (ع) بتدوين هذا العلم, وتداول هذا التراث الائمةُ من بعده (ع).
- (الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) إذ ليس كل من كان في زمن النبي (ص) مصطفى ومختار من قبل الله تعالى.
- (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) وهنا تشير الاية الى سبب اختصاص المصطفين بالوراثة, فتقول: إن العباد الذين اتبعوا النبي (ص) على ثلاثة أصناف:
- ظالم لنفسه, كالمنافقين الذين لا يخضعون لقول الله تعالى ولا لقول رسوله (ص).
- مقتصد, الذي يطلب الاستقامة باتباع غيره وبطلب العلم من غيره.
- سابق بالخيرات, المتقدم على غيره بعمل الخير بإذن الله تعالى وهذا الصنف هو المستحق للوراثة.
وهذا هو التفسير العام للآية, ولكن حينما نراجع تراث أهل البيت (ع) نجد الروايات مجمعة على اختصاص هذه الآية ببني فاطمة (عليها السلام))[3]( , ولا يتنافى هذا الاختصاص بتطبيق الآية على جميع الامة, ولكن عندما نأخذ بهذه الرواية بإمكاننا أن نفهم الآية على النحو التالي:
- ) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) تتحدث عن الوجبة الاولى من المصطفين وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وهؤلاء لهم ذرية وهي على ثلاثة أصناف (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ, وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ, وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) وهذا الصنف الثالث هم الصفوة من ذرية الحسين (ع), ولهذه الاية نظير في القرآن وهو قوله تعالى في الحديث عن إبراهيم: (وبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) [الصافات], وبضميمة هذه الاية التي تتحدث عن ذرية إبراهيم, نستطيع أن نفهم اختصاص الاية بذرية النبي (ص) حتى من دون الاستعانة بالروايات في هذا المجال.
الحديث عن الامام الكاظم (ع)
هو سابع الائمة الالهيين المعصومين, اضطلع بمسؤولية الامامة الإلهية بعد استشهاد ابيه الصادق (ع) وكانت فترة امامته 34 سنة, ويمكن تقسيم هذه سنوات إمامته الى ثلاث فترات:
- عشر سنوات من حكم أبي جعفر الدوانيقي ( 148ه وفاة الامام الصادق (ع) – 158ه وفاة المنصور)
- إحدى عشرة سنة من حكم المهدي بن المنصور (158 – 169 ه)
- أربع عشرة سنة من حكم الهادي أخي المهدي وحكم هارون بن المهدي.
ونتناول ان شاء الله تعالى هذه الفترات بما يناسب المقام:
حكم المنصور بعد وفاة أخيه أبي العباس السفاح من سنة 136 – 158 ه, و تمثل السنوات العشر من حكمه (148 – 158ه) قمة المحنة الاعلامية التي استهدفت تطويق مدرسة الامام الصادق (عليه السلام).
بعد سقوط بني أمية برز حكم بني هاشم الذين كانوا قادة حركة مواجهة الامويين بجناحيها العباسي والحسني, وكان العباسيون جناحاً صغيراً في الحركة السياسية التي كان أولاد عبدالله بن الحسن متصدين لقيادتها, وقد عقدوا مؤتمراً قبيل سقوط الامويين لتوحيد قيادتهم وبايعوا لمحمد بن عبدالله بن الحسن كقائد للحركة, ولكن قدّر للجناح العباسي أن ينتصر لذا تخلفوا عن بيعتهم لمحمد بن عبدالله بن الحسن الذي قام بحركة مناهضة للعباسيين سنة 144 ه, وكذلك أخوه أبراهيم الذي انطلق من البصرة ثائراً, ولكن هذه الحركة انتهت بقتل قائدها بسهم طائش, وتنفس المنصور الصعداء بعد أن ظلّ بجبته أربعين يوماً لا ينزعها عنه حتى اتسخت, وهو يقول: لا أخلعها حتى أعلم لمن يكون الملك.
عرف المنصور من الاحداث التي جرت ان ولاء الكوفة ليس لبني العباس, والعبارة صريحة كما ينقلها الطبري, قال: لما ظهر محمد وابراهيم ابنا عبد الله, أرسل أبو جعفر (المنصور) إلى (عمه) عبد الله بن علي, وهو محبوس عنده, ان هذا الرجل قد خرج, فإن كان عندك رأي فأشِر به علينا, وكان ذا رأي عندهم, … فأرسل إليه عبد الله: ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة فاجثُم على أكبادهم, فانهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم, ثم احفُفها بالمسالح, فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه, أو أتاها من وجه من الوجوه, فاضرب عنقه([4]).
خطط المنصور لتطويق الحركة السياسية المتمثلة بالحسنيين, والحركة العلمية المتمثلة بالامام الصادق (ع) وتلامذته, فعمل على إهمال الكوفة وتحويل عاصمة الخلافة الى مدينة أخرى, فبنى بغداد سنة 145 ه, وجعلها عاصمة للدولة العباسية, ووضع خطة اعلامية تهدم الموقع الكبير للكوفة باعتبارها مركز الثورات على الحكم الاموي, وأهم أكاديمية علمية في العالم الاسلامي, وذلك عن طريق وضع روايات كاذبة لتنال من شخصية الكوفيين و من جلائل مواقفهم مع الائمة (ع)([5]).
لذا, دأب الاعلام العباسي وخصوصاً في زمن المنصور على نشر روايات كاذبة تقدح بالكوفيين وجعلوها على لسان علي (ع) وأولاده (ع).
ونستطيع أن نتلمس بوادر هذا الاعلام من خلال وثيقة مهمة نقلها لنا الطبري, على لسان المنصور نفسه وهي رسالته الى محمد بن عبدالله بن الحسن, ومن مقاطعها:
(أما بعد فقد بلغني كلامك وقرأت كتابك فإذا جل فخرك بقرابة النساء لتضل به الجفاة والغوغاء ولم يجعل الله النساء كالعمومة والآباء ولا كالعصبة والاولياء لان الله جعل العم أباً ..
وأما قولك انكم بنو رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الله تعالى يقول في كتابه (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) ولكنكم بنو ابنته وانها لقرابة قريبة ولكنها لا تحوز الميراث ولا ترث الولاية ولا تجوز لها الامامة فكيف تورث بها ولقد طلبها أبوك بكل وجه فاخرجها (أي فاطمة الزهراء) نهارا ومرضها سرا ودفنها ليلا فأبى الناس إلا الشيخين وتفضيلهما ..
وأما ما فخرت به من على وسابقته:
فقد حضرت رسول الله (ص) الوفاة فأمر غيره بالصلاة
ثم أخذ الناس رجلا بعد رجل فلم يأخذوه وكان في الستة فتركوه كلهم دفعا له عنها ولم يروا له حقا فيها أما عبد الرحمن فقدم عليه عثمان وقتل عثمان وهو له متهم
وقاتله طلحة والزبير وأبى سعد بيعته وأغلق دونه بابه ثم بايع معاوية بعده
ثم طلبها بكل وجه وقاتل عليها وتفرق عنه أصحابه وشك فيه شيعته قبل الحكومة
ثم حكم حكمين رضى بهما وأعطاهما عهده وميثاقه فاجتمعا على خلعه..
ثم كان حسن فباعها من معاوية بخرق ودراهم ولحق بالحجاز وأسلم شيعته بيد معاوية ودفع الامر إلى غير أهله وأخذ مالا من غير ولائه ولا حله
فان كان لكم فيها شئ فقد بعتموه وأخذ تم ثمنه..
ثم خرج عمك حسين بن علي على ابن مرجانة فكان الناس معه عليه حتى قتلوه وأتوا برأسه إليه..
ثم خرجتم على بنى أمية فقتلوكم وصلبوكم على جذوع النخل وأحرقوكم بالنيران ونفوكم من البلدان حتى قتل يحيى بن زيد بخراسان وقتلوا رجالكم وأسروا الصبية والنساء وحملوهم بلا وطاء
في المحامل كالسبي المجلوب إلى الشام ..
حتى خرجنا عليهم فطلبنا بثأركم وأدركنا بدمائكم وأورثناكم أرضهم وديارهم وسنينا سلفكم وفضلناه فاتخذت ذلك علينا حجة وظننت انا انما ذكرنا أباك وفضلناه للتقدمة مناله على حمزة والعباس وجعفر وليس ذلك كما ظننت ..
ولقد علمت انه لم يبق أحد من بنى عبد المطلب بعد النبي صلى الله عليه وسلم غيره (أي العباس عم النبي) فكان وراثه من عمومته ثم طلب هذا الامر غير واحد من بنى هاشم فلم ينله إلا ولده فالسقاية سقايته وميراث النبي له والخلافة في ولده فلم يبق شرف ولا فضل في جاهلية ولا إسلام في دنيا ولا آخرة إلا والعباس وارثه ومورثه)
من هذه الوثيقة يتضح أن أصل القول بأن شيعة علي من الكوفيين هم من خذلوا علياً (ع) وولديه الحسن والحسين (ع) هو من الاعلام العباسي الذي أسس له المنصور ووضع خطوطه العريضة كما جاء في هذه الرسالة, وبدأ الوضاعون يضعون الاخبار في هذا السبيل في مختلف الحقول لمدة عشر سنوات من حكم المنصور.
فقد أُلّف في هذا الجو كتاب (مقتل الحسين) لابي مخنف, الذي يعد المصدر لكل ما يشين الكوفيين ويجعلهم خونة خاذلين الى مستوى أن يزيد لما أخبر بقتل الحسين وأصحابه ووصفوا له ذلك دمعت عيناه !! وقال: قد كنت ارضى من طاعتكم بدون قتل الحسين! لعن الله ابن سمية، اما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين !!([6])
وفي هذه الفترة أيضاً ظهر كتاب سيف بن عمر الذي فسّر التشيع لعلي (ع) على أنه من صنيعة اليهودي عبدالله بن سبأ.
والى جنب هذا الاعلام المضلل, تبنّى المنصور مرجعية مالك بن أنس المعروف بميوله الاموية الواضحة([7]), وصار مالك مرجعاً للبلاد الاسلامية الخاضعة للعباسيين, ينقل القاضي عياض في كتابه (ترتيب المدارك) الحوار الذي جرى بين المنصور ومالك بن أنس:
(وقال له (أي لمالك بن أنس) أبو جعفر وهو بمكة: اجعل العلم يا أبا عبد الله علماً واحداً.
قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين إن أصحاب رسول الله (ص) تفرقوا في البلاد فأفتى كلٌ في مصره بما رآه، وفي طريق، إن لأهل هذه البلاد قولاً ولأهل المدينة قولاً ولأهل العراق قولاً تعدوا فيه طورهم.
فقال: أما أهل العراق فلست اقبل منهم صرفاً ولا عدلاً، وإنما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم. وفي رواية: فقلت له: إن أهل العراق لا يرضون علمنا.
فقال أبو جعفر يضرب عليه عامتهم بالسيف, وتقطع عليه ظهورهم بالسياط).([8])
وبهذا كله يتضح لنا جو المحنة الذي عاشه شيعة أهل البيت (ع) في تلك السنوات العشر, مما جعل الامام الكاظم (عليه السىلام) لا يفصح عن أمامته بشكل علني, وواصل سيرة أبيه الصادق الذي أدرك بوادر الانقلاب العباسي خصوصاً بعد موت أبي العباس السفاح, تلك السيرة التي ركزت على التقية خلال السنوات العشر من حكم المنصور, وآثر أن يلتقي بأصحابه سراً.
الفترة الثانية: إحدى عشرة سنة من حكم المهدي بن المنصور
أتسم عهد المهدي العباسي بالرخاء النسبي, مما مكّن الامام الكاظم (ع) أن يعلن إمامته ورعايته للمدرسة التي أسسها الامام الصادق (ع) والتي تحمل فكر علي (ع) بروايته عن الصادق (ع), وانصبّ جهده (سلام الله عليه) للحفاظ على هذه المدرسة من محاولات القضاء عليها من قبل المنصور وأولاده, لكي يتسنّى للجيل الاول منها أن ينقل علومه الى جيل ثانٍ, وفعلاً, برز جيل من الفقهاء من نجومهم يونس بن عبدالرحمن, محمد بن أبي عمير([9]), صفوان بن يحيى([10]) ونظرائهم, برزوا في العلم والتقى.
الفترة الثالثة: أربع عشرة سنة من حكم الهادي أخي المهدي وحكم هارون بن المهدي.
وهي فترة محنة الامام الكاظم (ع) وفيها سُجن الامام (عليه السلام) أكثر من مرة وآخرها سجنه الذي طال أربع سنوات (179 – 183 ه) والسبب الواضح لهذا السجن هو ما نهض به الامام (ع) لمقاومة مفهوم أن بني العباس هم الوارثون الحقيقيون للنبي (ص) وليس أبناء علي وفاطمة, وقد ركّز هذا المفهوم حتى في شعر الشعراء الذي زخر بهذا المضامين, ومن نماذجه:
شعر أبان بن عبد الحميد في محضر هارون العباسي:
نشدت بحق الله من كان مسلما
أعم بما قد قلته العجم والعرب
أعـــــم رسـول الله أقـرب زلفــــة
لديه أم ابن العم في رتبة النسب
وأيهما أولـى بـه وبعهده
ومن ذا له حق التراث بما وجب
فإن كان عبـاس أحـق بتلكم
وكان علي بعد ذاك على سبب
فأبناء عباس هم يرثونه
كما العم لابن العم في الإرث قد حجب([11])
شعر مروان بن أبي حفصة
علي أبوكم كان أفضل منكم أباه
ذوو الشورى و كانوا ذوي الفضل
و ساء رسول الله إذ ساء بنته
بخطبته بنت اللعين أبي جهل
فذم رسول الله صهر أبيكم
على منبر بالمنطق الصادع الفضل
و حكم فيها حاكمين أبوكم
هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل
و قد باعها من بعده الحسن ابنه
فقد أبطلت دعواكم الرثة الحبل
و خليتموها و هي في غير أهلها
و طالبتموها حين صارت إلى أهل([12])
شعر منصور النمري
ألا لله در بني علي
وزور مـن مـقـالـتـهـــم كـــبـــير
يُسمون النبـيَّ أبـاً ويأبَـى
من الأحزاب سَـطر من سطــور
وكان نتيجة هذا الادعاء الكاذب أمران:
الاول: تحريف الحكم الشرعي الذي يتقضي عدم وراثة العباس للنبي (ص) بوجود علي (ع) لأن أبا طالب شقيق لعبدالله أبي النبي (ص) بخلاف العباس الذي كان من أم أخرى.
الثاني: تحريف مفهوم الوراثة الخاصة لتراث النبوة, وتحويلها الى موقع سياسي يدّعون وراثته من النبي (ص) بصفتهم أئمة إلهيين, والمؤهلين لحكم الامة الاسلامية.
بينما الامامة ووراثة التراث الديني ليست قائمة على هذا الاساس, بل هي وراثة إلهية لا تتحقق الا للمعصوم الذي يختاره الله لهذا المقام السامي, كما جاء في قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) [البقرة].
لذا وقف الامام الكاظم (ع) في وجه هذا الادعاء الكاذب, في القصة المعروفة:
أنه لما حج الرشيد ونزل في المدينة اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا المهاجرين والانصار ووجوه الناس وكان في القوم الامام أبو الحسن موسى بن جعفر (صلوات الله عليهما) فقال لهم الرشيد: قوموا بنا إلى زيارة رسول الله، ثم نهض معتمدا على يد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) حتى انتهى إلى قبر رسول الله فوقف عليه وقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا بن عم، افتخاراً على قبائل العرب الذين حضروا معه، واستطالة عليهم بالنسب. قال: فنزع أبو الحسن موسى (عليه السلام) يده من يده وقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبه. قال فتغير وجه الرشيد ثم قال: يا أبا الحسن إن هذا لهو الفخر (وفي رواية أخرى: فتغير وجه هارون وأمر به فاخذ من المسجد).([13])
وبعد تلك الحادثة أمر هارون بتسيير الامام (ع) من المدينة الى بغداد و سَجَنَه فيها, بسبب مواقف الامام الكاظم (ع) التي استهدفت حفظ الكيان الشيعي علمياً وعقائدياً, وقضى الامام مسموماً شهيداً في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي, وقد نجح الامام الكاظم (عليه السلام) في مهمته أيما نجاح بدليل استمرار المدرسة الى يومنا تحمل فكر علي (ع) وعلومه كابراً عن كابر.
طرف من كلماته (عليه السلام)
- إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.
- من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين فليتضرع إلى الله عزوجل في مسألته بان يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغني، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا.
- لا دين لمن لا مروة له، ولا مروة لمن لا عقل له، وإن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها.
- أفضل ما يقترب به العبد إلى الله بعد المعرفة به ، الصلاة ، وبر الوالدين ، وترك الحسد ، والعجب ، والفخر
- من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله، أفسد عليه دينه ودنياه.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد واله الطاهرين.
قرّرها الدكتور حسين عبدالله
الاثنين 16/ رجب/1434 ه
الموافق 27/5/2013 م
عنوان المحاضرة الصوتية :
http://albadri.info/mohathrat/index.php?view=11
اصل المحاضرة القيت في بغداد سنة 1425 بنماسبة مرور ذكرى وفاة الإمام الكاظم (ع)
([1])عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص، قَالَ : ” كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) أُرِيدُ حِفْظَهُ ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا : تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ وَرَسُولُ اللَّهِ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص)، فَأَوْمَأَ بِإِصْبَعِهِ إِلَى فِيهِ ، فَقَالَ : اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلا حَقٌّ “ المستدرك على الصحيحين, مسند أحمد وغيرها
([2]) قال علي (ع) : كَانَ لِى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) مُدْخَلاَنِ: مُدْخَلٌ بِاللَّيْلِ, وَمُدْخَلٌ بِالنَّهَارِ, فَكُنْتُ إذا دَخَلْتُ بِاللَّيْلِ, تَنَحْنَحَ لِى. المجتبى من السنن للنسائي 3/12, مسند أحمد 1/80 نقلاً عن كراس إمامة أهل البيت (ع) في سورة الفاتحة, للعلامة السيد سامي البدري.
([3]) الحسين بن محمد عن معلى عن الحسن عن أحمد بن عمر, قال: سألت ابا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل: (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) الاية, قال : فقال : ولدُ فاطمة عليها السلام (والسابق بالخيرات) الامام و (المقتصد) العارف بالامام (والظالم لنفسه) الذى لا يعرف الامام. تفسير نور الثقلين.
([4]) تاريخ الطبري ج6/194, نقلاً عن كراس أهل الكوفة بين حقد الامويين والعباسيين وثناء أهل البيت (ع)
([5]) وصف امير المؤمنين (ع) شيعته من أهل الكوفة قائلاً: أَنْتُمُ اَلْأَنْصَارُ عَلَى اَلْحَقِّ, وَ اَلْإِخْوَانُ فِي اَلدِّينِ وَ اَلْجُنَنُ يَوْمَ اَلْبَأْسِ وَ اَلْبِطَانَةُ دُونَ اَلنَّاسِ ..
وفعلاً كانوا كذلك, فقد انطلق علي (ع) بالكوفة ليحيي سنة النبي (ص) وقد نجح (عليه السلام) وتربى على يديه الاف الكوفيين يحملون العلم ويكتبونه.
ثم انتقم معاوية منهم أيما انتقام بعد شهادة الحسن (ع) قتلا وسجنا وتشريدا.
وعندما نهض الامام الحسين (ع) كان انصاره منها, إذ كان مع الحسين ستين شيخاً من أهل الكوفة (سير اعلام النبلاء) عندما انطلق من مكة الى العراق, وكان الاخرون في السجون, وكان عددهم اثنا عشر ألفاً.
وعندما تهيأت الفرصة وفسح المجال بعد مقتل الحسين (ع) وموت يزيد, انبرى الكوفيون لإحياء أحاديث النبي (ع) في حق علي و أهل بيته في المجتمع, وهناك تحقيقات أحصت رواة أحاديث النبي (ص) في فضائل علي وأهل بيته في القرن الاول الهجري, وتم تقسيمهم على المناطق, فكان أكثر من 80% من الرواة هم من أهل الكوفة.
([6]) مقتل الحسين لابي مخنف.
([7]) راجع كتاب: مالك – ترجمة محرّرة, للكاتب المصري أمين الخولي.
([8]) ترتيب المدارك وتقريب المسالك/ للقاضي عياض.
([9]) قال النجاشي : ” محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى ، أبوأحمد الازدي ، بغدادي الاصل والمقام ، لقي أبا الحسن موسى (عليه السلام) ، وسمع منه أحاديث ، وروى عن الرضا (عليه السلام) . جليل القدر ، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين ، الجاحظ يحكي عنه في كتبه ، وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية ، وقال في البيان والتبيين : حدثني إبراهيم بن داجة ، عن ابن أبي عميروكان وجها من وجوه الرافضة . وكان حبس في أيام الرشيد فقيل ليلي القضاء ، وقيل إنه ولي بعد ذلك ، وقيل بل ليدل على مواضع الشيعة ، وأصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام) ، وروي أنه ضرب أسواطا بلغت منه فكاد أن يقر لعظيم الالم ، فسمع محمد بن يونس بن عبدالرحمان وهو يقول : إتق الله يا محمد بن أبي عمير ، فصبر ففرج الله . وروي أنه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد ، وقيل إن اخته دفنت كتبه في حالة استتارها وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب ، وقيل بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر ، فهلكت ، فحدث من حفظه ، ومما كان سلف له في أيدي الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله ، وقد صنف كتبا كثيرة . صنف أربعة وتسعين كتابا. (شبهات وردود 427)
([10]) قال النجاشي : ” صفوان بن يحيى أبومحمد البجلي بياع السايري ، كوفي ، ثقة ثقة ، عين ، روى أبوه عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، وروى هو عن الرضا (عليه السلام) ، وكانت له عنده منزلة شريفة ، ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، وقد توكل للرضا وأبي جعفر (عليهما السلام) وسلم مذهبه من الوقف ، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة ، وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالا كثيرا ، وكان شريكا لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان ، وروي أنهم تعاقدوا في بيت الله الحرام أنه من مات منهم صلى من بقي صلاته وصام عنه صيامه وزكى عنه زكاته ، فماتا وبقى صفوان ، فكان يصلي في كل يوم مائة وخمسين ركعة ، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويزكي زكاته ثلاث دفعات ، وكل ما يتبرع به عن نفسه مما عدا ما ذكرناه تبرع عنهما مثله . وحكى بعض أصحابنا أن إنسانا كلفه حمل دينارين إلى أهله إلى الكوفة ، فقال : إن جمالي مكراة وأنا أستأذن الاجراء ، وكان من الورع والعبادة على مالم يكن عليه أحد من طبقته (رحمه الله) ، وصنف ثلاثين كتابا. (شبهات وردود 428)
([11]) كتاب الاغاني, لابي فرج الاصفهاني.
([12]) شرح النهج لابن أبي الحديد, نقلاً عن كتاب: المدخل الى دراسة مصادر السيرة والتأريخ الاسلامي ص 66
([13]) بحار الانوار ج 25 ص 243